ارق ليلة النصف
أرق ليلة النصف
فاتحة
تبار يق شيب في السواد لوامع و ما خير ليل ليس فيه نجوم
الأخطل
دون استئذان
سوف ينزاح هذا الأرق عندما تتوقف دقات الساعة و تسعى عقاربها و يكون ذلك ساعة تقضم فراخ العصافير حبات القمح بأسنانها و يتدفأ الثعلب الحزين بريشه النائم .
ابن الوجود
في إحدى ليالي الشتاء الطويلة جفا النوم عيني و استسلمت إلى أرق لازمني و سيطر على كل مداركي حتى حلول الفجر. كنت ماكثا في غرفتي، واضعا رأسي بين يدي الفارغتين، مغرق التفكير في أسباب أرقي المفاجئ الذي اختار زيارتي دون سابق علم أو تحديد.
كنت أراجع ما حدث لي طيلة يومي علني أعثر على خيط رابط أفسر به أرقي لكن دون جدوى، لقد حكم عليّ انتظار الفجر بفارغ الصبر للخروج من أرقي معتقدا أن بزوغ شمس اليوم الموالي ينتزعني من الأرق الذي لازمني و حيرني.
راجعت أموري ، صغيرها و كبيرها ، مهمّها و تافهها، لعني أنتشل ذاتي الغارقة في الأرق و أودعها إلى طيف آخر تفكر فيه و تنصرف إليه فتنجح في كسر طوق الأرق الذي ضرب من حولها لكن دون جدوى. كأنّ ذاكرتي عادت صفحة بيضاء لم يسجل عليها و لو حرفا واحدا على امتداد ما يقارب الثلاثة عقود من الزمن الرديء.
عدت إلى صباي و طفولتي الأولى متجولا بين فترات دراستي بمختلف فروعها فالتقيت بذاتي ضائعة منذ الأزل بين دروبا غريبة عنها كأنها لم تمر بها في ماضي الزمان، و حتى الدروب التي بانت لي بنورها الخافت و أسعفتني ذاكرتي المهترئة باستنشاق عبيرها من بين الأتربة الملوثة بانت ضعيفة أمام أرقي العويص فوجدتني أنصرف عنها و أحاول أن أحوّلها إلى وسيلة علها تمر إلى دروب أخرى ربما تنشّط ذاكرتي التي أنهكتني في ليلتي و لم تسعفن بما أرغب فيه.
في إحدى لحظات الزمن الذي نعيش رفعت رأسي و راقبت حركة عقارب الساعة الحائطية و تأملتها لمدة وجيزة أعجز عن تحديدها ، بعدها رجعت إلى وضعي الأول بعد أن أدركت أن زمني الذي أرغب ليس هو زمن الساعة الحائطية ، ساعتها فقط استسلمت إلى نوم عميق امتزج بمجموعة من الأحلام الوردية تحولت إلى مجرد أوهام لحظة عودتي إلى زمن الساعة الحائطية عند منتصف النهار.ساعتها نهضت و غادرت الفراش و أنا لا زلت مثقل التفكير و لا زال السؤال يطاردني : لماذا زارني الأرق في ليلتي الماضية ؟ و الأمر الأخطر: لماذا استسلمت إلى نوم عميق ساعة تأملت الساعة الحائطية ؟