تقديم إشكالي
عرف العالم بعد ح-ع-2 تغيرا في مسار العلاقات الدولية نتيجة بروز قطبين
وكتلتين مختلفتي التوجه والمصالح وهما الكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد
السوفياتي والكتلة الغربية بقيادة الو.م.ا. وقد أدى التنافس بينهما على
زعامة العالم واستقطاب مناطق نفوذه الى توتر العلاقات بينهما فاندلعت الحرب
الباردة الأولى(1947-1963) التي كان تقسيم كوريا من بين مظاهرها، تلتها
فترة تعايش سلمي (1963-1979) ثم حرب باردة ثانية انتهت بتعاقب أحداث عجلت
بتلاشي نظام القطبية الثنائية وتحطيم جدار برلين في نونبر 1989 م، وانهيار
الاتحاد السوفياتي ومعسكره الشيوعي 1991.
- فكيف نشا نظام القطبية
الثنائية في العالم ؟
- وماهي مظاهر الحرب الباردة الأولى ؟
- وماهي
خصائص مرحلتي التعايش السلمي والحرب الباردة الثانية ؟
1-سياق الأحداث التي أدت الى بروز القطبية الثنائية بعد ح.ع.2
- عقدت دول التحالف الأكبر (الحلفاء+الاتحاد السوفياتي) خلال
الحرب العالمية الثانية عدة مؤتمرات لمحاولة الاتفاق حول الوضع الدولي لما
بعد الحرب وتحطيم دول المحور(مؤتمر طهران 1943 + مؤتمر يالطا فبراير 1945 +
مؤتمر بوتسدام يوليوز 1945)،غير أن الخلافات الجوهرية السياسية
والإيديولوجية بين الو.م.ا وإ.س برزت من جديد بعد أن غطاها مؤقتا تحالفهما
خلال الحرب.
-ففي مؤتمر يالطا قررت الدول العظمى تقديم دعم جماعي للدول
المتضررة من الحرب ومساعدتها على تجاوز أزمتها السياسية والاقتصادية وتعميق
القواعد الديمقراطية بها.كما تم الاتفاق المبدئي على تقسيم ألمانيا بين
العظميين .غير انه بروز خلاف بين الو.م.ا وإ.س حول طبيعة نظام الحكم الذي
سيقام في بولونيا بعد الحرب.
-في هذا الإطار أطلقت الو.م.أ مشروع مارشال
سنة 1947 كوسيلة لمحاصرة المد الشيوعي (سياسة الاحتواء) عبر تقديم دعم
عسكري لعدة دول أوربية(ألمانيا+فرنسا+بريطانيا) وأسيوية(اليابان+كوريا
ج).ورد الاتحاد السوفياتي ببسط نفوذه على جنوب وشرق اوربا وإحداث منظمة
الكومنفورم(مكتب الإعلام الشيوعي)في 22 شتنبر 1947 بهدف تكثيف الدعاية
الخارجية للشيوعية بأوربا والعالم.
← لقد أسفرت هذه الأحداث عن ظهور
نظام دولي جديد قسم فيه العالم الى كتلتين أو معسكرين في إطار ما يسمى
بالستار الحديدي :
* كتلة شرقية شيوعية ضمت الاتحاد السوفياتي
والديمقراطيات الشعبية الجديدة بأوربا الشرقية.
* كتلة غربية رأسمالية
ضمت الو.م.أ وبلدان اوربا الغربية ذات التوجه الراسمالي.
2-الحرب الباردة الأولى ( 1947. 1963 ) مظهر من مظاهر الصراع
في إطار القطبية الثنائية
أ-الأحداث
التي أدت الى بداية الحرب الباردة الأولى
- الحرب الباردة
هي حالة العداء والتوتر الشديد الذي عرفته العلاقات بين المعسكرين ما بين
1947 و1989 .وظهر ذلك في سائل الضغط كالحرب النفسية والإعلامية والتهديد
الدبلوماسي والضغوط الاقتصادية وتفجير الحروب المحلية في مناطق عديدة من
العالم وتصاعد أخطار سباق التسلح واستنفار الجيوش استعدادا للمواجهة لكن
دون الدخول فعلا في مواجهة مباشرة.ومرت بمرحلتين مرحلة الحرب الباردة
الأولى والثانية تخللتهما فترة تعايش سلمي .
- ومن بين الأحداث التي
تسبب في اندلاع الحرب الباردة الأولى ׃
* أحداث براغ 1948 : تمثلت في تأسيس حكومة
ذات أغلبية شيوعية بتشيكوسلوفاكيا في 25 فبراير 1948 على اثر المظاهرات
العمالية التي قادها الحزب الشيوعي بالعاصمة براغ ضد العناصر غير الشيوعية
في الحكومة وبضغط القيادة السوفياتية.
*انطلاق الحملات الدعائية من كلا الجانبين
لتشويه صورة الآخر والحد من نفوذه ׃ حملات معادية للشيوعية من الجانب
الغربي وأخرى معادية للرأسمالية وللو.م.أ من الجانب السوفياتي
ب-الأزمات الكبرى خلال الحرب الباردة الأولى في الميدانين
السياسي والعسكري
اتخذت الحرب الباردة في مرحلتها الأولى مظاهر
تجلت سياسيا وعسكريا في ׃
- سعى كلا القطبين نحو
إقامة أحلاف وتكتلات عسكرية تمثلت أبرزها في :
* حلف الناتو NATO (منظمة حلف الشمال الاطلنتي) th Atlantic Treaty Organization حلف
عسكري موجه ضد الاتحاد السوفياتي ،أبرمته الو.م.أ سنة 1949مع كندا و10 دول
من اوربا الغربية(المملكةالمتحدة،فرنسا،ايطاليا،بلجيكا،هولندا،
اللوكسمبورغ،أيسلندا،النرويج
، والدنمارك، والبرتغال).وانضمت إليه اليونان وتركيا 1952 وألمانيا
الغربية 1955.
* حلف وارسو
Pacte de Varsovie : ابرم سنة 1955 بين الاتحاد السوفياتي ودول
اوربا الشرقية (بلغاريا،هنغاريا،بولونيا،ألمانيا
الشرقية،رومانيا،تشيكوسلوفاكيا،وألبانيا).وهو حلف عسكري موجه ضد حلف
الناتو.
- أزمة برلين الأولى ( ابريل 1945 – ماي
1949 ) ׃ نتجت عن قيام الو.م.ا وانجلترا وفرنسا بتوحيد مناطق القسم
الغربي لألمانيا في إطار دولة اتحادية فيدرالية سنة 1947 ،لكن ستالين رفض
ذلك،ففرض حصارا على برلين الغربية الخاضعة لنفوذ تلك الدول وأغلق منافذها
لمدة سنة كاملة مما دفع بدول التحالف الى تنظيم جسر جوي لتزويد المدنيين
بالمساعدات الغذائية والطبية، فاضطر الاتحاد السوفياتي الى رفع الحصار
وتأسيس ألمانيا الديمقراطية في الجزء الشرقي الخاضع له 1949.
- الحرب الكورية ( 1950 -1953 ) ׃ بعد ح.ع.2 اختلف
الاتحاد السوفياتي والو.م.أ حول شكل النظام السياسي لكوريا الموحدة مما أدى
الى تقسيمها الى شمالية اشتراكية وجنوبية رأسمالية 1948. وعندما خرقت
قوات كوريا الشمالية خط الحدود 38° وحاصرت سيول عاصمة الجنوب،بعث مجلس
الأمن قوة دولية (90% منها أمريكية) أرغمت قوات الشمال على التراجع .لكن
عندما تجاوزت القوات الامريكية بقيادة الجنرال ماك ارتور خط 38° تدخلت
الصين في أكتوبر 1950 ضد القوات الامريكية -.وخوفا من اندلاع حرب كبرى
دخلت الأطراف في مفاوضات دامت من يوليوز 1951 الى يوليوز 1953 عادت الاوضاع
بموجبها الى ما كانت عليه قبل الحرب مع تجريد 4 كلم من السلاح شمال وجنوب
خط العرض 38°.
- أزمة برلين الثانية ( 1955 –
1961 ) : تسبب فيها هجرة 2 مليون ألماني شرقي سرا نحو الضفة الغربية
لبرلين + رفض خروتشوف مقترح جعل برلين منطقة حرة ،فقام ببناء جدار برلين
في ليلة واحدة سنة 1961 للفصل بين برلين الشرقية والغربية وشدد المراقبة
عليه .
- أزمة الصواريخ الكوبية ( أكتوبر 1962 ) :
أصبحت الو.م.أ تراقب كوبا منذ أن نجحت الثورة الاشتراكية على يد فيديل
كاسترو في 1959 الذي ربط علاقات مع الاتحاد السوفياتي.وقد فشلت الو.م.أ في
قلب نظام كاسترو الاشتراكي لما ساعدت أنصار الجنرال باتستا في عملية خليج
الخنازير. غير أن طائرات التجسس الامريكية التقطت صورا لقواعد صاروخية
سوفياتية بكوبا ← محاصرة القوات الامريكية لكوبا وتهديد الاتحاد السوفياتي
بحرب شاملة.غير أن الأزمة انتهت بفك تلك القواعد وبتراجع القوات الامريكية
والسوفياتية فدفع ذلك خروتشوف الى سحب قواعده .
3-
تطور العلاقات الدولية من مرحلة التعايش السلمي الى نهاية الحرب الباردة
الثانية
أ – خصائص مرحلة التعايش السلمي
(1963 – 1979 )
- يقصد بالتعايش السلمي ذلك الانفراج
والتحسن الذي حصل في العلاقات الامريكية السوفياتية بين 1963 و 1979 والذي
خفف من حدة التوثر بينهما واستهدف الانتقال من مرحلة المواجهة الى مرحلة
المفاوضة.وقد ساعد على انطلاق هذه المرحلة ׃
* تغيير القيادة السوفياتية
بوفاة ستالين سنة 1953 وتعويضه بنكيتا خروتشوف الذي رفع شعار التعايش
السلمي مع الأنظمة الرأسمالية على اثر انعقاد المؤتمر العشرون للحزب
الشيوعي سنة 1956 .وقد تجاوب مع هذه السياسة بالو.م.أ كل من
إيزنهاور(1953-1961) وجون كيندي (1961-1963).
*استعداد القيادتين
الامريكية والسوفياتي لخلق أجواء التفاهم عبر سلسلة من اللقاءات والمؤتمرات
: اتفاقيات سالت1 سنة 1972 بشان الحد من أسلحة الدمار الشامل بين
الجانبين + ومؤتمر هيلسنكي 1975 الرامي الى التعاون والتنسيق بين القطبين
فيما يخص القضايا الأمنية كاحترام سيادة الدول التابعة لكل معسكر واحترام
وحدتها الترابية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وإشاعة مبدأ احترام
الحريات وحقوق الإنسان.
- رغم التقارب الذي عرفته العلاقات بين الشرق
والغرب ،إلا أن هذه المرحلة عرفت ظهور أزمات زعزعت التعايش السلمي،منها :
* حرب الفيتنام (1964-1975) :
بعد الحرب العالمية 2 وبفعل الخلاف الإيديولوجي بين الو.م.أ والاتحاد
السوفياتي تم تقسيم الفيتنام الى بموجب اتفاقية جنيف 1954 الى شمالية
اشتراكية عاصمتها هانوي وجنوبية رأسمالية عاصمتها سايغون ،يفصل بينهما خط
العرض 17° .غير أن قوات الشمال قامت بمساعدة المعارضة الاشتراكية بالجنوب
للوصول الى الحكم(حركة الفيتكونغ viet- congأو جبهة التحرير الوطني) الشيء
الذي دفع الو.م.أ الى إعلان الحرب على الفيتنام الشمالية سنة 1964.وقد
كانت حربا شرسة أثارت الرأي العام الدولي وخلفت ملايين الضحايا.وانتهت
بتوقيع اتفاقية جنيف 1975 التي مكنت حكومة الشمال من توحيد الفيتنام في ظل
نظام اشتراكي بينما خرجت الو.م.أ منهزمة .
* ربيع
براغ 1968 : تدخل الجيش السوفياتي لوضع حد لحركة الإصلاح ذات التوجه
الديمقراطي الليبرالي التي دشنها زعيم الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي
ألكسندر دوبيك تحت شعار "الاشتراكية ذات الوجه الإنساني"
* أزمة النفط الأولى 1973 :
ظهرت على اثر وقف الدول العربية لصادراتها من النفط اتجاه الدول الداعمة
لإسرائيل في حربها ضد العرب.
*
الحرب الأهلية في لبنان 1975 -1990 : هي حرب دموية وصراع
معقد دامت لأكثر من 16 عاما و 7 أشهر في لبنان (13 أبريل 1975 - 13 أكتوبر
1990)،اندلعت بسبب الخلافات بين التيارات السياسية وتدخل أطراف
خارجية.انتهت باتفاقية الطائف.
*
الثورة الإسلامية بإيران 1979 : هي ثورة قادها الخميني سنة
1979 وحولت إيران من نظام ملكي، تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي، لتصبح
جمهورية إسلامية .
ب-أهم مظاهر الحرب الباردة
الثانية ( 1979 – 1989 )
لم يدم انفراج العلاقات بين القطبين سوى
وقتا قصيرا حتى طفت أزمات وتوترات إقليمية تجلت أهم مظاهرها في :
- حرب أفغانستان (1979-1989) حرب دامت عشرة سنوات،
كان الهدف من التدخل العسكري السوفياتي هو دعم الحكومة الأفغانية
الاشتراكية، والتي كانت تعاني من هجمات الثوار المعارضين للنظام الاشتراكي،
والذين حصلوا على دعم من مجموعة من الدول المناوئة للاتحاد السوفييتي من
ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية، السعودية، الباكستان.حيث اعتبرت الو.م.ا
ذلك الغزو تهديدا مباشرا لمصالحها ومصالح اوربا الغربية الإستراتيجية
بآسيا .
- دخول القطبين والمعسكرين في صراع في
إطار الحرب الباردة الثانية تحددت مجالاته في :
*المجال العسكري :
استمرار السباق نحو التسلح + توقف المفاوضات حول التخفيض من الأسلحة.+
إطلاق الو.م.أ لبرنامج الدرع الاستراتيجي المعروف "بحرب النجوم".
*المجال السياسي :
مواصلة العمل على كسب مجالات جديدة للنفوذ. + استعمال الطرفين لحق الفيتو
داخل مجلس الأمن خدمة لمصالحهما السياسية.
*المجال الرياضي : سعي الطرفان الى تسجيل
انتصارات على الطرف الآخر بتحقيق انجازات رياضية (إحراز ميداليات،الفوز
ببطولات...). + مقاطعة الو.م.أ للألعاب الاولمبية بموسكو 1980 ورد الاتحاد
السوفياتي بمقاطعة الألعاب الاولمبية بلوس انجلس 1984.
خاتمة ׃
إذا كان العالم قد عرف
بعد ح ع 2 علاقات دولية طبعها الصراع في إطار قطبية ثنائية ،فان هذا
التوثر قد تلاشى مع انهيار الاتحاد السوفياتي ومعسكر ه الشرقي منذ 1989،
مما فسح المجال لميلاد نظام عالمي جديد أحادي القطبية .فكيف ظهر هذا النظام
العالمي الجديد ؟
وماهي العوامل التي ساعدت على بروزه ؟وما هي أهم
خصائصه؟