مقدمة
كان هدف
المستعمر من احتلال المغرب هو استغلال ونهب ثرواته الطبيعية والبشرية .
فبعد أن تمكن من بسط سلطته على المخزن المغربي لم يتوانى في مباشرة عملية
الاستغلال الاقتصادي . لكن هذه العملية تطلبت إقامة هياكل إدارية واقتصادية
جديدة وسن عدة قوانين . واتخذت عملية الاستغلال عدة أشكال واستعملت خلالها
عدة وسائل . وقد عرف المغرب في ظل التمركز الاقتصادي الاستعماري تحولات
اقتصادية انعكست سلبيا على وضعية مختلف الشرائح الاجتماعية ، فباستثناء
كبار القواد والباشوات ، فقد تضررت كل الفئات الاجتماعية الأخرى من فلاحين
وتجار وحرفيين كما ظهرت طبقة جديدة هي البروليتاريا التي عانت كذلك من
الاستغلال .
Ⅰ – الآليات التي اعتمدها
الاستعمار ودورها في تسهيل استغلال المغرب
1-الآليات المالية ودورها في الاستغلال الاستعماري للمغرب
بمجرد
ما تم الإعلان عن توقيع عقد الحماية على المغرب،لجأت سلطات الاحتلال
الفرنسي الى وضع الأسس الأولى لتسهيل عملية استغلاله،حيث وفرت الآليات
المالية الضرورية لذلك .وفي هذا الإطار يمكن الإشارة الى :
-إحداث
وكالات ومؤسسات مالية خاصة بالإيداع والقرض مثل البنك المخزني بالرباط الذي
تحددت مهمته في منح القروض للمغرب وإحداث إصلاحات مالية ونقدية. ومن
الأبناك الأخرى هناك الشركة الجزائرية والقرض العقاري للجزائر وتونس
والشركة المرسيلية للقرض والبنك التجاري المغربي.وهي كلها مؤسسات عملت على
تنشيط ومساعدة الاستعمار على توفير البنيات التحتية اللازمة وتمويل
المشاريع الكبرى وتسويق الحبوب وغيرها من الثروات الطبيعية.
-تشجيع
الاستثمار وفتح المغرب في وجه الرساميل الأجنبية .وقد اتخذت هذه
الاستثمارات شكلين :
* استثمارات خاصة : وفرتها الشركات والأبناك
الفرنسية بوجه خاص بعدما حظيت بتسهيلات وامتيازات إدارية وجمركية وضريبية
،مما يفسر تطورها التصاعدي حيث انتقلت من 290 مليار فرنك في الفترة ما بين
1912- 1938 الى حوالي 500 مليار فرنك بين 1946-1956 مع تسجيل تراجع حاذ
بين 1939- 1945 بسبب ظرفية الحرب العالمية 2 التي كانت فرنسا طرفا فيها.
* استثمارات عمومية وشبه عمومية : هي الاستثمارات التي توظفها سلطات
الحماية باسم المغرب في المجالات الاقتصادية، العسكرية والإدارية . أما
مصدرها فهو الضرائب المباشرة وغير المباشرة المفروضة على المغاربة إضافة
الى القروض الخاصة (من الحكومة الفرنسية ) . وقد شهدت بدورها تطورا بين
1912-1956 لكن تبقى نسبيا اقل من الاستثمارات الخاصة.
-اعتماد نظام
ضريبي متنوع(ضريبة الترتيب ،ضرائب مهنية وسكنية ،مكوس،رسوم جمركية،رسوم
خدماتية،ضرائب تضامنية...) تطورت مدا خيله بين 1912- 1954 من 271 م.ف. الى
66721 م.ف.الشيء الذي أغنى خزينة الإقامة العامة ودعم مواردها وسهل ظروف
استغلال خيرات المغرب وثرواته بأقل الخسائر.
2-دور التجهيزات الأساسية في الاستغلال الاستعماري للمغرب
اتجهت
إدارة الحماية الفرنسية منذ البداية الى توفير البنيات التحتية اللازمة
من اجل تيسير ظروف مناسبة للاستيطان والاستغلال .وقد تلخصت أهم التجهيزات
في :
- إحداث شبكة من الطرق المعبدة والثلاثية ومن السكك الحديدية للربط
بين المدن الساحلية والداخلية وبين المناطق الفلاحية النافعة والمناجم.
-
إنشاء موانئ ومطارات كما هو الشأن بالدار البيضاء منذ 1921 بهدف تسهيل نقل
المحاصيل الفلاحية والمنجمية من مناطق الإنتاج وتصديرها وتسويقها الى
الخارج .
- إقامة شبكة من السدود بالقسم الشمالي لسقي الضيعات
الاستعمارية وإنتاج الكهرباء وتوفير الماء الشروب .
II – مظاهر الاستغلال الاستعماري للمغرب
1-مظاهر الاستغلال الاستعماري للمغرب في الفلاحة والصيد
البحري
تجلت أهم مظاهر الاستغلال الاستعماري في :
أ- القطاع الفلاحي :
•جوء إدارة الحماية الى إصدار
ظهائر التحفيظ العقاري كظهير 12 غشت 1913 الخاص بتحفيظ الاراضي والأملاك
العقارية،وظهير يوليوز 1914 القاضي بتفويت أراضي الجماعة للمعمرين ونزع
ملكيتها من المغاربة لذلك فقد اعتبر التحفيظ السند القانوني لتأكيد الملكية
،مما سهل على الأجانب إمكانية الاستيلاء على أراضي المغاربة لجهلهم بهذا
الإجراء القانوني.
•استحواذ المعمرين على أجود الاراضي الفلاحية بالمغرب
إما عن طريق شرائها بأثمان رمزية أو باستخدام أساليب ملتوية في عملية نزع
الملكية وتسخير القضاء لهذه المهمة.
•تشجيع الاستيطان الفلاحي بمختلف
مناطق المغرب في إطار شكلين من الاستعمار :
*استعمار فلاحي رسمي :
هي الأراضي التي استولت عليها سلطات الحماية بدعوى مقاومة الاحتلال أو باسم
المصلحة العامة.وتتكون من أراضي الكيش ، أراضي المخزن وبعض أراضي الجماعات
. وقد بلغت مساحاتها 289.000 هكتار سنة 1953 وقد وزعت على المعمرين بأثمان
منخفضة .
*استعمار فلاحي خاص : هي الأراضي التي استحوذ عليها
المعمرون بواسطة التهديد ، الإغراء والتحايل خصوصا وان الفلاح المخزني لا
يملك أي سند قانوني يثبت ملكيته للأرض . وقد بلغت مساحتها حوالي 728.000
هكتار سنة 1953 .
•اهتمام المعمرين بتوسيع نطاق الزراعات السقوية
التسويقية (الكتان،القطن،التبغ ،الكروم والبواكر...) وباستخدام آلات فلاحية
حديثة مستفيدين من الدعم التقني والضريبي والمالي (قروض) ومن عمليات
الاستصلاح المجاني للأراضي الزراعية (نظام السخرة) الشيء الذي انعكس
ايجابيا على إنتاج ضيعاتهم ومرد وديتها.
ب- قطاع
الصيد البحري :
استفاد الأجانب (الأسبان،البرتغال والفرنسيون)
من مؤهلات المغرب الطبيعية وثرواته السمكية،فشرعوا في استغلالها
بإمكانياتهم(مراكب صغيرة،سفن كبرى) التي تزايد عددها وإنتاجها،حيث انتقل
عدد السفن من 6352 الى 8859 بين سنتي 1947 و1954.كما انتقل الإنتاج من
5066 طن الى 93021 طن في نفس الفترة.
2-مظاهر
الاستغلال الاستعماري في ميدان الصناعة
تجسد الاستغلال
الاستعماري على المستوى ألمنجمي والصناعي في :
* شروع الشركات
الاستعمارية في عملية التنقيب واستخراج المعادن بالمنطقتين الخليفية
والسلطانية حيث بدأت في استغلال الحديد بمنجم ويشان بالناظور قبل 1912
والفوسفاط بخريبكة 1922،المنغنيز ببوعرفة 1929،الفحم بجرادة 1930،الرصاص
والزنك بمناجم بميدلت 1936 والذهب والفضة بجبل صاغرو والكوبالت بمنجم
بووزار 1952.ولتنظيم عملية الاستغلال تم إنشاء المكتب الشريف للفوسفاط 1920
ومكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية-
* إحداث صناعات استهلاكية ارتبطت
بحاجيات الاحتلال الداخلية والخارجية وبظرفيته الدولية (ح.ع.1و2).لذلك اهتم
بثلاث أنواع من الصناعات احتلت فيها الصناعة المنجمية مكانة أساسية لما
وفرته من مداخيل كبيرة جدا .هذه الصناعات هي الصناعات الاستخراجية
والصناعات الغذائية(الدقيق والسكر والمشروبات الغازية والكحولية وصناعة
المصبرات) بالإضافة الى صناعات أخرى مل النسيج والجلد والاسمنت والمواد
الكيماوية (حامض الكبريت وأسمدة الرش).وهي أنشطة اهتمت بها الشركات
المتربولية الفرنسية بالغرب.
* اهتمام الاستعمار بتوليد الكهرباء
اعتمادا الطاقة المائية أكثر من الطاقة الحرارية.وذلك من اجل تسهيل ظروف
الإنتاج بالمؤسسات الصناعية وتغطية متطلبات الخدمات الاجتماعية
(إنارة،تدفئة...)
3- مظاهر الاستغلال في القطاع
التجاري
اتسم هذا النشاط بهيمنة الأجانب على التجارتين
الداخلية والخارجية،حيث تم فتح متاجر للبيع بالتقسيط وأقيمت شركات كبرى
تخصصت في السمسرة والتصدير والاستيراد .وإذا كانت الصادرات (منتوجات فلاحية
،بحرية،معدنية خام واستهلاكية) قد سجلت ارتفاعا في وزنها وقيمتها بين 1930
و1950 فان ارتفاع قيمة الواردات التي كانت في معظمها استهلاكية
(شاي،سكر،قطاني،شمع،محروقات ومصنوعات نسيجية) أو مصنعة (آلات
التجهيز،دراجات...)قد خلفت عجزا تجاريا انعكس سلبا على الوضع الاقتصادي
المغربي الذي ظل في حالة ركود وتبعية.
III- آثار
الاستغلال الاستعماري على الاقتصاد والمجتمع المغربيين
1-آثار الاستغلال الاستعماري على الاقتصاد
خلف
الاستغلال الاستعماري نتائج وخيمة دمرت بنى الاقتصاد المغربي التقليدي
فلاحيا وصناعيا وتجاريا.وقد تجلت هذه الانعكاسات في :
- هيمنة الاستعمار
على أجود الاراضي وأخصبها وتوزيعها على المعمرين والمتواطئين معهم لجعلهم
المدافع الأول عن نظام الحماية .وطبق بها برامج الاستغلال الفلاحي العصري
التسويقي منذ 1921 مما أحدث تحولات عميقة بالوسط القروي ،حيث أضرت الفلاحة
العصرية بالمعيشية وتحول الفلاح من مالك الى مستخدم بضيعات المعمر .
-
معاناة الحرف من التقليدية من منافسة المنتوجات الصناعية الأجنبية
المتدفقة على الأسواق خصوصا من فرنسا ،انجلترا،الو.م.أ واليابان..لانخفاض
كلفتها وأثمانها مقارنة مع المنتوجات التقليدية المغربية التي أخذت في
الاضمحلال .وبدلك تم إدماج المغرب في المنظومة الرأسمالية العالمية،حيث
جعلت منه سوقا استهلاكية لمنتجاتها وبضائعها ومزودا لها بما تحتاجه من مواد
أولية .
- معاناة المغاربة بمختلف شرائحهم من الفقر والبؤس جراء
القوانين التي فرضتها السلطات الاستعمارية خلال فترات الأزمات كأزمة 1929
والحرب العالمية الثانية حيث عملت على تقنين استهلاك المواد الأساسية
بواسطة بطاقات التموين أو البون (عام البون شتنبر 1943).ودعت الى التقشف في
استهلاك بعض المواد مثل الدقيق والسكر ،وأسفرت أزمة الحرب.ع.2 عن ارتفاع
مهول في أسعار بعض المواد الاستهلاكية كالحبوب واللحوم والشاي والسكر
والفحم إضافة الى السكن مقابل تدني كبير في الأجور ،مما جعل ظروف الحياة
أصعب.
2- انعكاسات الاستغلال الاستعماري على
المجتمع المغربي
افرز الاستغلال الاستعماري عواقب كان لها بالغ
الأثر على الفئات الوسطى والدنيا من المجتمع المغربي
(التجار،العمال،الفلاحون،الحرفيون) التي تضررت كثيرا من الاوضاع الاقتصادية
الجديدة ومن التحولات التي أصابت بنية المجتمع.وقد تمثلت هذه الانعكاسات
في :
- بالنسبة الى الفلاحين : أدى فقدانهم لأراضيهم الى تحولهم الى
عمال مأجورين بضيعات المعمرين وشركاتهم مقابل أجور زهيدة والى القيام
بأعمال السخرة لصالح القواد والمعمرين.بينما اضطر بعضهم الى الهجرة نحو
المدن والعيش في ظل شبح البطالة وفي أحياء كاريان سنطرال الصفيحية ← ظهور
وتنامي طبقة بروليتارية .
- بالنسبة للحرفيين : كانت معاناتهم شديدة
جراء ارتفاع أسعار المواد الاولية ومنافسة البضائع الأجنبية وفقدان اليد
العاملة التي توجهت للعمل بالمصانع أو الجيش.
- بالنسبة للتجار : تم
إقصاؤهم بسبب اهتمام المعمرين بهذا النشاط وبسبب العراقيل والضرائب
المفروضة عليهم ،حيث تم تحديد مساهمتهم في رأسمال الشركات الكبرى في نسبة
5%.
- بالنسبة للعمال : تكونت هذه الطبقة من الفلاحين المعدمين
والحرفيين المتضررين والذين شكلوا يدا عاملة رخيصة في خدمة الرأسمالية
الامبريالية.وقد زادت الهجرة من تعاظم هذه الفئة التي عانت من حرمانها من
حقوقها كالتامين والانخراط في النقابات ومن الشغل والحماية الصحية
والتعليم...مما دفعها الى تنظيم مظاهرات عمالية احتجاجا على أوضاعها
المزرية كمظاهرة تطوان سنة 1931.
← تفكك بنية المجتمع القبلي وتفاقم
أوضاعه بسبب ما تعرض له من استغلال متعدد الأشكال شمل موارده الطبيعية
والبشرية،وبسبب آفة الأمية التي فاقت 95% من السكان ،لكون الحق في التعليم
كان حكرا على أبناء المعمرين وأعوانهم من المغاربة سواء بالمنطقة السلطانية
أو الخليفية.
الخاتمة :
يظهر ادن أن
الاستغلال الاستعماري في عهد الحماية كان عملية منظمة ومربحة خدمت مصلحة
المعمر والامبريالية في حين أزمت وضعية المغرب والمغاربة حيث نهبت خيراتهم
وزجت بهم في دوامة التبعية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.غير أن هذا
الاستغلال أدى في المقابل الى تنامي الشعور القومي بضرورة مقاومة الاستعمار
والحصول على الاستقلال.