بسم الله الرحمان الرحيم
*هذه القصة هدية خاصة إلى كل طفل عانى جراء أساليب تربوية غير صحيحة، إلى
كل الآباء والمربين والمختصين النفسانيين الذين يتعاملون مع أطفال أو
مراهقين لديهم مخاوف مرضية "فوبيا" والذين تكونت لهم معتقدات خاطئة بطريقة
أو بأخرى أثرت على أدائهم اليومي ووظائفهم الإعاشية، علها تسهم في وقاية
من، أو علاج مثل هذه الظواهر المرضية.
سلمان يقتل الغول .. !
بقلم: بلال نكديل
أسكت.. اخفض صوتك .. سيسمعنا الغول.. إنه سيأتي ..لا تفعل هذا و إلا جاء ليأكلنا..
كان سلمان يردد هذه العبارات كثيرا و يحذر بها أصدقائه و أقرانه، فهو يخاف الغول كثيرا..
إنه يترقبه في أي وقت،قلبه يرتعد في كل مرة يسمع فيها صوتا مدويا أو يكون في مكان خال أو بعيد عن الناس..
الغول، الغول .. سيأتي الغول..، (كان يحدث بها نفسه كلما أقبل الليل)
لا يريد سلمان الذهاب مع أصدقائه للتنزه في الغابة نهاية كل أسبوع رغم
دعواتهم المتكررة له بأن يرافقهم في هذه النزهة. فهو يخشى أن يداهمه الغول و
هو يتنزه في الغابة الهادئة ، فيخرج له من بين الأشجار أو من خلف الصخور..
أمر الغول شغل تفكيره، أفقده التركيز في دراسته،إنه لا يخرج مع أصدقائه، لا يجلس بمفرده ولا يتخذ قرارات كثيرة..
هو يخاف من الظلام ،من الفراغ ومن الهدوء المريح،إنه يخاف من المجهول
ومن اللاشيء،انه يريد أن يخرج للتنزه في الغابة، أن يتنقل بحرية، أن يجلس
وحده بشجاعة،أن يرفع رأسه في الليل إلى السماء حيث النجوم متلألئة ليستمتع
بالنظر إليها، فهو يحب هذا المشهد الرائع
لكنه الغول.. هو من يقف حائلا على رغباته و أمنياته ..
تنهد سلمان: آه ما أسوء الغول..
فجأة توقف عن التساؤل و التذمر، لقد خطر على باله أن الغول سمعه،
شعر بالرعب مخافة أن يأتي إليه ..
ذهب مسرعا إلى بيته ، و عندما أوشك على الدخول سمع صوت أقدام خلفه و هي تدوس الحشيش و أوراق الأشجار المتساقطة على الأرض،
لم يشأ سلمان أن ينظر و راءه..
دخل البيت.. توجه إلى الغرفة وأقفل الباب جيدا..
جلس حائرا يلاحظ ما سيحدث.. !
ما هذا ؟.. أحدهم يريد فتح النافذة..
إنه صوت مخالب تخدشها.. تحاول فتحها بقوة لتفترس من بالداخل..
اضطرب سلمان وشعر بالخوف فالنافذة ليست مغلقة بإحكام..
دفعت بقوة.." دوووووف"
أغمض عينيه منتظرا مصيره المجهول..
آه لقد أمسكه الآن و بدأ يخدشه في رجله و هو يقول مياو .. مياو..
فتح سلمان عينيه ليجد قطه الصغير أمامه..
صاح فيه: هذا أنت أيها الغبي.. لقد أخفتني كثيرا.. كادت أنفاسي تحتبس بسببك.. هيا اغرب عن وجهي.. أنا لا أريد اللعب معك.
غادر القط المسكين و هو حزين،لقد أراد اللعب معه فقط .
أما سلمان فمازال قلبه يخفق و يده ترتعش.. لقد ظنه الغول ..
إنه يتألم من هذا الوضع، ما هو الحل..؟، متى سيأتي الغول ..؟، كيف سأنجو ..؟، إلى متى سأبقى هكذا..؟، و ماذا سيكون بعد هذا.. ؟.
جلس يفكر في كل هاته التساؤلات..
في هذه الأثناء تذكر العم خالد،إنه رجل عالم، يعرف الكثير من الأشياء ولعله يمكن أن يساعده .
توجه فورا إلى مكتبة العم خالد، دخل مكتبته و هو يناديه: عمي خالد عمي خالد .. أنقذني .. أنقذني أرجوك.. سيأتي الغول ليأكلني..
ضحك العم خالد عندما سمع هذا..
- ما بك يا سلمان ؟ لماذا أنت خائف؟
- إنه الغول .. سيأتي إلي ؟
- من قال لك هذا..؟
- إنني أشعر أنه سيأتي ..
- اسمع يا بني لن يأتي الغول.. إنه ليس موجود أصلا..
- ليس موجود ؟ لكن الناس يحذرون منه .
- إنه وهم فقط يا سلمان ، فهل سمعت أنه أتى لأحد قبلك ؟
بدأ سلمان يفكر في كلامه كثيرا، حينها أعطاه العم خالد كتيبا صغيرا و قال له: اقرأ هذا يا بني ، ثم جلس قربه ينتظره حتى يكمل..
بعد مدة أنهى سلمان قراءة الكتيب..
العم خالد : و الآن يا سلمان ماذا قرأت ؟
سلمان: إنه كتاب يفند أسطورة الغول
- و ماذا استنتجت ؟
- استنتجت أنه لا يوجد غول، لقد قال أحد العلماء أن الغول خرافة، ونصح عالم
ثاني الناس بعدم إخافة الأطفال بالغول لأنتا نربيهم على الخوف من مخلوقات
ليست موجودة أصلا، أما عالم آخر فقد سخر من الذين يصدقون وجوده ويتخيلونه
بأنه كائن بشع وخطير وقال: لما لا نتخيله وهو يلبس بذلة بهلوان ويمشي
متمايلا كالبطريق فلا يصبح مخيفا ..
- هل اقتنعت يا بني بأن الغول غير موجود..
- لكني... مازلت خائفا..
- عليك أن تواجهه إذن؟
- أواجه الغول؟ كيف يا عمي خالد؟، ثم أنك قلت أنه ليس موجود أصلا..
- نعم إنه ليس موجود، لكن تحداه بأن يأتي إليك إن كنت تظنه موجود.
خرج سلمان من مكتبة العم خالد و هو يتمتم: أواجه الغول..؟ أتحداه بأن يأتي..؟ هل سيأتي..؟ إنه ليس موجود..!! أليس كذلك..؟.
وفي الليل عندما همّ سلمان إلى فراشه انقطع التيار الكهربائي فشعر
بالاضطراب والخوف، وبدأ يرتجف مخافة أن يأتي الغول وأن يداهمه في غرفته،
وفي هذه الأثناء تذكر الكتاب الذي قرأه عن خرافة الغول بأنه وهم وخيال فقط،
وبأنه لم يأتي لأحد من قبل فكيف يأتي إليه، تذكر كذلك كلام العم خالد ان
يتحداه بأن يأتي إليه إذا كان يعتقد أنه موجود، فقرر أن يتحدى الغول وهو
يصرخ قائلا: أيها الغول، أيها الغبي
أنا هنا، أنا لا أخافك، هيا تعال إلي إن كنت موجود. أنا هنا بانتظارك..،
سكت سلمان لبرهة وبدأ ينتظر.. لكن الغول لم يأتي أبدا.
نظرا يمينا وشمالا، تشجع ثانية ثم أردف قائلا : أنا لن أخافك بعد اليوم
أنت لست موجود أصلا، ثم أخذ نفسا عميقا حتى أشعره بالهدوء والقوة والفخر.
وضع رأسه على الوسادة لينام وهو يحدث نفسه ويضحك :"ها ها ها كم كنت غبيا حين صدقت خرافة الغول "