balsam المراقب العام
عدد المشاركات : 2 تاريخ التسجيل : 27/01/2011 الموقع : www.pubtatwir.forummaroc.net
| موضوع: مفهوم الموضوعية في العلوم الإنسانية؟ الخميس يناير 27, 2011 6:40 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
على ماذا يدل مفهوم الموضوعية في العلوم الإنسانية؟ وماذا يعنى القول بأن نظرية اجتماعية ما تمثل تحليلا علميا موضوعيا لمجموعة من الظواهر الاجتماعية؟ الموضوعية مصطلح مركب ككثير من المصطلحات السائدة في عصرنا والموضوعية التي يمكن أن يتصورها العقل تحتوي عدة مصطلحات تتعلق بالأمانة العلمية والدقة والمصداقية وعدم الانحياز ، والكاتب أو المفكر أو الموضوعي هو الذي يذكر الحقائق وحدها بعيدا عن الأكاذيب والشائعات ، والباحث الموضوعي هو الباحث الذي تتسم أبحاثه بالدقة والأمانة البحثية ولا يلجأ إلى تغليب نظرته أو رؤاه الشخصية على تلك الأبحاث ، ولا يعبث بمدخلات بحثه للوصول لنتائج مرغوبة ومعدة سلفاً. تُعبِّر الموضوعية عن إدراك الأشياء على ما هي عليه دون أن يشوبها أهواء أو مصالح أو تحيزات، أي تستند الأحكام إلى النظر إلى الحقائق على أساس العقل، وبعبارة أخرى تعني الموضوعية الإيمان بأن لموضوعات المعرفة وجودًا ماديًا خارجيًا في الواقع، وأن الذهن يستطيع أن يصل إلى إدراك الحقيقة الواقعية القائمة بذاتها (مستقلة عن النفس المدركة) إدراكًا كاملاً. وعلى الجانب الآخر، كلمة الذاتيّ تعني الفردي، أي ما يخص شخصًا واحدًا، فإن وُصِف شخص بأن تفكيره ذاتي فهذا يعني أنه اعتاد أن يجعل أحكامه مبنية على شعوره وذوقه، ويُطلق لفظ ذاتيّ توسُّعًا على ما كان مصدره الفكر وليس الواقع على ماذا يدل مفهوم الموضوعية في العلوم الإنسانية؟ وماذا يعنى القول بأن نظرية اجتماعية ما تمثل تحليلا علميا موضوعيا لمجموعة من الظواهر الاجتماعية؟ هل يمكن أن يكون الإنسان ذاتا للمعرفة وموضوعا لها في الآن نفسه ؟ يبين لوسيان غولدمان أن العلوم الإنسانية في سعيها الدؤوب للتحرر من الإرث الفلسفي التأملي. ظلت عاجزة مع ذلك، عن استيفاء شرط الموضوعية،لان الباحث في تصديه للظاهرة الإنسانية لا يستطيع أن "يضع ذاته بين قوسين" و يجد عسرا في التخلص من أحكامه القبلية و مواقفه المضمرة و نوازعه اللاواعية. أما رينيه بوفريس فيؤكد أن العلوم الإنسانية بالرغم من نشأتها في القرن التاسع عشر،في سباق ابيستمولوجي مخصوص يطبعه الطموح في تطبيق النموذج الفيزيائي التجريبي على دراسة الإنسان. فإنها لم تستطع مع ذلك أن تفي بشرط الموضوعية لأسباب مبدئية تتصل بالظواهر المبحوثة ذاتها. أما بياجي فيقول( تخلق العلاقة "ذات-موضوع" في العلوم الإنسانية وضعا معقدا ׃فالإنسان هو الدارس،وهو أيضا موضوع الدراسة، وينتج عن هذا الوضع المتداخل صعوبة تحقيق الموضوعية التي تعتبر أساس العلوم الحقة). يوضح بستيان أن الممارس في مجال العلوم الاجتماعية يعيش مفارقة كبرى ׃فهو جزء من الجماعة التي يدرسها، و هو مطالب بالتموضع خارج المجتمع و أن يظل بعيدا عما يرتبط به من قيم و تصورات. الفهم و التفسير هل تتحدد وظيفة النظرية العلمية في مجال العلوم الإنسانية في الفهم أم في التفسير ؟ يرى جيل غاستون غرانجي أن النظريات العلمية في مجال العلوم الإنسانية تتشكل في صورة أبنية عقلية يتراوح نشاط العقل فيها بين نموذجين معرفيين ׃التفسير باعتباره كشفا موضوعيا للعلاقات السببية القائمة بين الحوادث الإنسانية و الفهم بوصفه نشاطا عقليا تأويليا يستخلص الدلالات و القيم. أما دلتاي فيرى أن الفرق البين بين موضوع العلوم الطبيعية و موضوع العلوم الإنسانية يفرض على العلوم الإنسانية منهجا بلائم موضوعها، و هو المنهج القائم على الفهم. يبين ستروس انه إذا كانت العلوم الحقة حققت تقدما بفضل عمليتي التفسير والتنبؤ،فان وضع العلوم الإنسانية لا زال يتأرجح بين التفسير والتنبؤ، بل إنها علوم محكوم عليها بان تظل في وسط الطريق ׃بين التفسير والتنبؤ. ينتقد مونرو أيضا النزعة الوضعية. و يمنح للفهم قيمة أساسية في استخلاص معاني و دلالات الظاهرة الإنسانية. و يرى أن الفهم يتميز بالبداهة و الوضوح. قائلا ׃ " الفهم هو بداهة مباشرة في حين أن التفسير هو تبرير أو تعليل حدوث ظاهرة ما بافتراض ظاهرة أخرى". مسألة نموذجية العلوم الإنسانية أي نموذج للعلمية في العلوم الإنسانية ؟ يرى ميرلوبونتي بان المعرفة العلمية الوضعية تجاهلت أهمية تجربة الذات في العالم .تلك التجربة المعيشية التي تشكل أساس المعرفة بذواتنا و بالعالم .فالذات هي المصدر المطلق لكل معرفة . و من هنا فان ميرلوبونتي يشكك في قدرة المعرفة الموضوعية على النفاذ إلى عمق الوجود الإنساني .فالمعرفة الموضوعية تشييء الإنسان وتجزؤه و تتجاهل تجربته الذاتية التي هي أساس وجوده الموضوعي .ولهذه الأسباب يدعو ميرلوبونتي إلى القطيعة التامة مع نموذج العلوم التجريبية في ميدان العلوم الإنسانية . أما دوركهايم فيرى أن الظواهر الاجتماعية يجب أن تدرس كأشياء ،و هو بذلك يدعو إلى محاكاة النموذج العلمي الموجود في ميدان العلوم التجريبية .ومن هنا قوله "يجب أن يضع عالم الاجتماع نفسه في وضع فكري شبيه بالوضع الذي يكون عليه الفيزيائيون و الكيميائيون و الفيزيولوجيون حينما ينخرطون في استكشاف منطقة مجهولة عن ميدانهم العلمي " و يؤكد لاديير على ضرورة التفاعل مع نموذج العلوم التجريبية بالشكل الذي يحقق الموضوعية و لا يلغي فاعلية الذات ،لأنه إذا اخترنا تناول الوقائع الاجتماعية بوصفها أشياء فإننا بذلك سننفي من مجال المعرفة الإنسانية كل ما يتصل بالقيم و الغايات و المقاصد ...و إذا ما اخترنا تناول الوقائع الإنسانية بوصفها أشخاصا سقطنا في منظور ذاتي هل يمكن إن يكون هناك موضوعية خارج الذات وما تأثيرها علي الذاتية وكيف؟ إن مقاربة السؤال-قيد الدراسة والتحليل-تستدعي منا من الناحية الإجرائية القيام بتفكيك البنيات المكونة له فقد جاء السؤال عن طريق أداة السؤال هل"وهي أداة غالبا ما تقرن بين قضيتين اثنتين,تكون إحداهما ظاهرة من منطوق السؤال والثانية مضمرة, فالسؤال الذي بين أيدينا يوحي بأنه بالإمكان أن يكون هناك موضوعية خارج الذات ،لكن القضية التي لم يعلن عنها السؤال بشكل صريح هي أنه لا يمكن أن يكون هناك موضوعية خارج الذات وخاصة في تناول القضايا والظواهر الاجتماعية، ومن ثم تطرق لأثر القضية الأولى ( الموضوعية ) على القضية الثانية ( الذاتية ) وكيفية حدوث الأثر. فإلى أي منهما تعود الأفضلية في حصول عملية الإدراك إلى الذات أم إلى الموضوع ؟ هل الأفضلية في الإدراك تعود إلى عوامل ذاتية : يذهب بعض العلماء وخاصة علماء النفس التقليدي إلى أن العوامل الذاتية مثلا لاستعدادات العقلية هي التي تمكن من الإدراك , فالإنسان عندما يكون مرتاحا تكون لديه قدرة على الانتباه والتركيز أفضل مما يكون في حالة قلق , كما يدرك الفرد بسهولة الأشياء التي تتفق مع ميوله ورغبات. وهذا الموقف نجده عند الذهنيين أمثال " ديكارت " : " الإدراك حكم عقلي " وعند التجريبيين أمثال " جورج بركلي " : " إدراك المسافات حكم يستند إلى التجربة " . كما يقف " بيرلو " من خلال تجاربه على أطفال عرب ( إدراك الأشياء من اليمين إلى اليسار) وغير العرب ( إدراك الأشياء من اليسار إلى اليمين ) أن الإدراك راجع إلى دور العادة . لكن العوامل الذاتية وحدها غير كافية , وإلا تمكن الجميع من الإدراك لأن قدرة العقل مشتركة كما أن القدرات العقلية أحيانا لا يمكنها تجاوز العوائقالخارجية . هل الأهمية في الإدراك تعود إلى العوامل الموضوعية : يذهب البعض الآخر من العلماء وخاصة علماء النفس الحديث إلى أن الإدراك يعود إلى الموضوع الخارجي , لا إلى الاستعدادات العقلية فالشكل الخارجي للموضوع وبناؤه العام هو الذي يحدد درجة الإدراك وهذا الرأي نجده عند علماء الجشطالط كوهلر , بوهلر و فرتيمر الذين ركزوا على الصفة الكلية للموضوع واعتبروها أساس الإدراك فالجزء لا يكتسب معناه إلا داخل الكل الذي ينتظم وفق قوانين يسميها الجشطالط قوانين الانتظام و هي تتحكم في العلاقةبين الصورة والخلفية , فعندما تكون هذه العلاقة منتظمة تبرز الصورة الفضلى أي الصيغة البارزة . أما إرادة الإنسان فلا تتدخل إلا في حالة وجود صورتين فضليين مثلا في الشكل : وجهان متقابلان أو مزهرية . لكن العوامل الموضوعية وحدها غير كافية هي الأخرى و إلا تساوى الإدراك عند جميع المدركين لأن الموضوع واحد , كما أن لكل إنسان اهتمامه فلا يعود للصورة الفضلى الأفضلية في الإدراك عند الجميع . إذن فالإدراك يكون بتضافر العوامل الذاتية مع العوامل الموضوعية : إن العلاقة بين العوامل الذاتية والعوامل الموضوعية يبدو على أنها علاقةتنافر باعتبار أن الأولى داخلية وتتعلق بخصائص شخصية الفرد و أحوالهالذاتية . والثانية خارجية وتتعلق بالمحيط الذي يوجد فيه الشخص , والواقعأن هذه العلاقة هي علاقة تجاور لأننا من الناحية العملية لا نستطيع أننفصل بين ما هو داخلي وما هو خارجي فالفرد يدرك بالاعتماد عليهما معا . إن حصول عملية الإدراك عند الإنسان لا يمكن ردها إلى العوامل الذاتيةوحدها فقط وإنما الإدراك عملية تتم عن طريق التكامل والتعاون بين العواملالذاتية والعوامل الموضوعية، أي الوصول للحقيقة والنموذج المثالي الذي نعير أو نقيس به المحسوسات أو المعقولات بهدف إصدار حكم معياري-قيمي عليها حسب مدى مشاركتها فيه أو اقترابها منه (إذ كلما كانت مقتربة منه كان حكمنا عليها إيجابيا وكلما كانت مبتعدة عنه كان حكمنا عليها سلبيا) . الموضوعية والذاتية في فلسفة عمانوئيل كانط الموضوع: هو الشيء الموجود في العالم الخارجي، وكل ما يُدرَك بالحس ويخضع للتجربة، وله إطار خارجي، ويُوجد مستقلاً عن الإرادة والوعي الإنساني، وينسب الذاتي إلى الذات، بمعنى أن ذات الشيء هو جوهره وهويته وشخصيته، وتعبر عما به من شعور وتفكير، والعقل أو الفاعل الإنساني هو المفكر وصاحب الإرادة الحرة، ويُدرِك العالم الخارجي من خلال مقولات العقل الإنساني. كيف يحدث التفاعل بين الذات والعالم الخارجي ؟ يحسن بنا أولاً الإشارة إلى أن التفاعل بين الذات والعالم الخارجي يكون الصورة الذهنية عن المواضيع المحسوسة بما يجعل الفرد يدرك المحيط حوله حسب شعوره ونظرته له بناء على المعلومات أو البيانات الواردة عن المواضيع والتي يختلف إدراكها من شخص لآخر. والإدراك محصلة لتفاعل وتكامل العواملالذاتية مع العوامل الموضوعية فمن جهة يتكامل العقل مع التجربة الحسية كما قال كانطومن جهة أخرى يتكامل الشعور مع بنية الأشياء ، فقد ركز عمانوئيل كانت بفلسفته على أن الإنسان يستطيع إدراك ظواهر الأشياء، لكنه يعجز تماماً عن إدراك جواهرها، مكوناً المعرفة الذاتية وهي ما يستطيع الإنسان أن يدركه في ذاته، فالإدراك عملية معقدة ينقل الإنسان من المحسوس إلى المجردفالمحصلة فهم وتفسير وتأويل الموضوع ، إذن الإدراك محصلة للتفاعل وتكامل العوامل الذاتية مع العوامل الموضوعية بما يتوافق مع إدراك الفرد وخصوصية تفكيره ، ما يكون نظرة الفرد للموضوع ورسوخها في ذهنه ، ومن هنا تمحورت ثنائيته في: "الشيء في ذاته" من ناحية، وعقل الإنسان الذي يؤلف ظاهرياً حقائق تلك الأشياء من ناحية أخرى. لأن الفكر لا يستطيع أن يصل إلى جوهر الأشياء، بل يتكون فقط من ظواهر الأشياء التي يؤلفها العقل ضمن تفكيرنا العلمي،وقد أشار إلى "أن ما ندعوه بالمواضيع الخارجية ليست أي شيء سوى تصورات حواسنا"، أما العقل فهو الذي يقوم بتركيب وتأليف هذه الظواهر الخارجية من صور ومقولات وحسب. بمعنى آخر أن المعرفة وفق المفهوم الكانتي ترتكز على الحدس الحسي، أي على الأشياء التي تخضع إلى الشروط الذاتية للنفس الإنسانية التي هي عبارة عن تأليف الذهن تجاه ظواهر الأشياء دون ذاتها، فالإنسان لا يمكنه أن يسبر غور الأشياء المستقلة عنه، وعليه فإن جميع الظواهر ليست موجودة في ذاتها بل إن العقل أو الذهن البشري هو الذي يؤلف شكلها، وبالتالي يكون حكمه نابعاً من تصوره لتلك المواضيع الآتية من خارج الذات. بمعنى أن حكم الإنسان على أي موضوع ناتج عن رؤية شخصية تؤثر على حكمه عليه وبالتالي يكون لكل شخص نظرة خاصة وتحليل عقلي مختلف لنفس الموضوع ناتج عن عملية الفهم الذاتي له. بداية علينا ان نعرف ماهيّة الذات العاقلة وغير العاقلة؟ ما هي صفات أو ماهيّة الذات العاقلة التي تميزها عن الذات غير العاقلة؟ النطق وعدم النطق بمعنى قابلية جمع الكبريات والصغريات والاستنتاج منها. هذه الذات تعرف نفسَها والعالمَ من حولها من خلال العقل، أو العقلانيّة المتموضعة كأسمى شكلٍ من العمل الذهني، والشّكل الموضوعي الوحيد. و حسب راي كانط ان هذه الذات تكون الصور الخاصة بها معتبراً أنها تتركب على صورة البنى الذهنية للذات العارفة، ومن خلالها، وبشكل محدد بها تماما، متأثرة بالعوامل الخارجية ومواضيع الطبيعة حولها وتفاعلها معها والتجربة والممارسة التي تكون معرفتها الخاصة وحكمها العلمي الخاص للموضوع الذي تسقطه على ما يستجد عليها من أمور في حياتها الخاصة. فعند دراسة العقل البشري سنرى أن التكوين البيولوجي و الفضاء الفكري لهذا العقل غير محايد في استقبال الادراكات الحسية من العالم الخارجي كما ذهب إلى ذلك كانط حين أكد أن" الإنسان لا يعلم عن العالم الخارجي إلا ما يأتيه عن طريق الحواس ,وأن العقل ليس مجرد صفحة بيضاء عاجزة عن العمل وضحية للحواس ,ولكنه وكيل ايجابي يقوم باختيار وإعادة بناء التجربة عندما تصل إليه , وأن "المعرفة إدراك حسي تحوله المقولات إلى حكم أو فكرة " يعتبر كانط أن عملية الإدراك مسألة غاية في التركيب، فبين المنبه المادي والاستجابة الحسية والعقلية يوجد عقل مبدع ينظم وهو يتلقى ، ليكون الفكر الخاص ويربط بين القوانين الطبيعية ليصل للعلاقات الكونية والفكرية الناتجة عن علاقة تلك القوانين والمدركات الحسية بذات الشخص و يعتبر ذلك عملية بالغة التركيب، فالحقائق الإنسانية لا يمكن فهمها إلا من خلال دراسة الفاعل وعالمه الداخليّ والمعنى الذي يسقطه عليه. فكانط يرى أن أن حواس الإنسان وتفاعله الشخصي مع المعطيات والمواضيع المطروحة هي الأساس في تكوين الفكر وإدراك المعنى والوصول للمعرفة وتعميم الفكرة التي توصلت إليها الذات عبر إدراكها لتلك المعطيات وربطها ببعضها أو بغيرها من الظواهر وهو بذلك يشير لأن العلم مخرج لتفسير الذات للمعرفة المواصلة عبر الحواس لذات الإنسان. فهل تتطلب الموضوعية الذاتية؟ نحن نرى حيث أن نمط المعرفة الذي تُنتجه الذات العاقلة الموضوعية هو "علم" وبإمكانه تقديم حقائق كونيّة عن العالم، بغضّ النّظر عن الوضع الفردي للعارف وبما أن المعرفة الناجمة عن العلم هي "حقيقة" أبديّة. إذن المعرفة/الحقيقة التي يُنتجها العلمُ (من طرف الذات العاقلة الموضوعية العارفة) ستقودُ دومًا باتّجاه التقدّم والكمال. لذا فإن الذات العاقلة إذا تخلت عن ذاتيتها وتناولت الأمور بالتجربة الموضوعية غير المتحيزة فإنها ستنتج علماً يستفاد منه ويمكن تطبيقه على عموم الذوات العاقلة. فالعلمُ محايدٌ وموضوعيٌّ، و العُلماء، وخاصة هؤلاء الذين يُنتجون معرفة علميّة من خلال قُدراتهم العقليّة غير المتحيّزة، فإنهم يخضعون تجاربهم ودراساتهم للموضوعية التي تستحق التعميم والتطبيق. *يرى كانط أن كل النتائج الموضوعية تكتشفها الذات وهي نتاج لفكرها مؤكداً أنهما كل لا ينفصل فالموضوعية لابد أن تمر بتحليل الذات ورؤيتها ومن ثم تطرح الذات هذه الرؤيا كحقائق موضوعية يقبلها العقل فلا موضوعية بلا ذاتية لديه. ( هل الذاتية مركب للموضوعية ولماذا ؟ ) ترتبط إشكالية الموضوعية والذاتية في تغلب الذاتية على الموضوعية نتيجة الرغبات والغايات الإنسانية التي ترافق بحث الإنسان للوصول للمعرفة. وحيث أن أي معرفة تقودها ذات إنسانية لا تخلو من من تلك الغايات الخاصة فإننا نرى أن أن المعرفة يمكن أن تكون موضوعية إذا أدركت التأثيرات الذاتية وتم فصلها عند عملية البحث عن الحقيقة وتم النظر بحياد نحو العوامل التي تؤثر أثناء البحث ، فالموضوعية لا تنتج بعيداً عن الذاتية أو خارجة عنها ولكن تحتاج من الباحث إدراك أن الموضوعية تدور في إطار السببية، وتنقل مركز الإدراك من العقل الإنساني إلى الشيء نفسه، وبالتالي لا تعترف بالخصوصية، ومنها الخصوصية الإنسانية، فهي تركز على العام والمشترك بين الإنسان والطبيعة، وتعتبر المعرفة نتاج تراكم للمعلومات. يرى كانط- أن تفاعل "الذات" مع الحس يؤدي إلى حصول "الموضوع"، الذي هو محصور ضمن نطاق المحسوسات بشكل محض ومحدد، حيث يؤدي توجه الإدراكات الحسية نحوها-المحسوسات-إلى تكون الفهم والمفهومات، ليقوم الذهن، هنا، بعملية توحيد العمليات الحسية في تجربة نسقية من خلال استعمال المقولات التي تنظم التجربة في أطر وصور عقلية، حيث تكون هذه المقولات جزءأً من بنية الذات العارفة، وهي غير مرتبطة بأي حالة حسية، بل يمكن القول أنها حالة باطنية في الذات، وموجودة قَبلياً بها. من هنا، يكون تصور الذات العارفة للموضوع قائماً على أساس صورتها وبناها الذاتية، فتقوم بتشكيل الموضوع على نفس صورتها الذاتية، حيث تقوم بإلباسها على الموضوع. لهذا، لايمكن لهذه الذات أن تقوم بإدراك سوى الموضوعات الحسية، التي تكون في وضع كثرة، ليقوم الفهم بوضع وحدة مركبة لها في إطار يضعه الذهن لها، حيث لا يعتبر كانط أن هذه الوحدة (للموضوع) موجودة في حال استقلال عن وجود الذات العارفة التي هي خالقة هذا التركيب المتصوَر للأشياء لانتاج الموضوع الجديد. ورغم اتفاقي مع كانط في هذا التفسير أن تصور الذات للموضوع يكون مبني على طبيعة الذاتية ، وحيث أن الموضوعية تقتضي عدم تدخّل الذات في موضوعها عليه أرى عدم الاعتراف والاعتماد على تلك التفسيرات وتعميمها إلا بعد إخضاعها للفحص وإعادة بناء تلك التصورات حسب المواضيع المطروحة وذلك لضمان الحيادية والصدق والموضوعية في ذلك التصور قبل تعميمه، متفقة مع ماكس فيبر حين أكد أن علماء الاجتماع يمكن أن يكونوا موضوعيين إذا جعلوا اعتقاداتهم الذاتية لا تتدخل في تحليل بحوثهم. لأن المعرفة الموضوعية يجب أن تكون بناء على نظرة العقل الخالص بعيداً عن المؤثرات الشخصية الذاتية. رأينا أن هناك مصدرين للمعرفة البشرية في رأي كانط ألا وهما الحساسية والفهم ؛ والمصدر الأول هو الذي يمدنا بالموضوعات، في حين أن المصدر الثاني هو الذي يسمح لنا بتعقل تلك الموضوعات، وحيث أن الحساسية ليست بالضرورة مدركة لكل المعارف وأن فهمنا لا يمكن أن يرتقي لكل الأمور وعليه فإننا نعتبر المعرفة غير محدودة ولا تتوقف وتتطلب البحث والتجريب للوصول للحقائق التي تفسر المواضيع وبالتالي تكون المعرفة. وإذا اعتبرنا السؤال "كيف يكون الإبداع في ضل محدودية المعرفة؟" سؤالاً مستقلاً فإن الإبداع هو النظر للأمور الطبيعية والعادية بطريقة غير طبيعية وغير عادية للوصول لأفكار غير عادية تؤدي إلى نتائج غير متوقعه لها مميزات جديدة وفوائد أكبر من المتوقع، والإبداع سمة لدى أشخاص لا يرضون بأقل من القمة في ظروف يراها غيرهم عادية وإمكانيات أقل من عادية ولكن يمكن الخروج عن المعتاد للوصول للإبداع وذلك بوضع المعارف نصب العين والبحث في جزئياتها للوصول لنتائج جديدة وربما نظريات ومعارف جديدة وإثباتها وتعميمها، والاٍنسان يتعرف كل يوم على حقائق ولكنها نسبية ، جزئية عن الواقع يرى الفيلسوف عمانوئيل كانت أنَّ الزمان والمكان محلهما العقل وليس الوجود الموضوعي، وهما أعراض، والأعراض كلها لا واقع لها خارج الذات العارفة، وهي تتلاشى بتوقف الإحساس، فمحلها العقل فقط، ولا يمكننا معرفة العلاقة الحقيقية بين الموجودات أبدًا. فالزمان والمكان لا ينفصلان عن المادة، المكان ذو أبعاد متعددة أما الزمان فليس له إلا بعداً واحداً، ويعبر المكان عن توزيع الأشياء الموجودة وجودا تلقائيا، على حين ان الزمان يعبر عن تتابع وجود الظواهر حيث تحل واحدة محل الأخرى. والزمان لا يرتد، بمعنى أن كل عملية مادية لا تتطور إلا في اتجاه واحد من الماضي إلى المستقبل، وقد نسف تطور العلم الفكرة الميتافزيقية القائلة بان الزمان والمكان يوجدان بشكل مستقل عن العمليات المادية وبانفصال كل واحد عن الأخر، ولا تنطلق المادية الجدلية من الارتباط البسيط بين الزمان والمكان مع المادة في الحركة. بل من واقعة أن الحركة هي ماهية الزمان والمكان. وان المادة والحركة والزمان والمكان بالتالي لا تنفصل. وقد تأكدت هذه الفكرة في الفيزياء الحديثة. وحسب كانط فإن العقل يستخدم عاملين مهمين في ترتيب الخام الحسي القادم من الخارج عن طريق الحواس وهما الزمن والمكان. و عملية تنظيم العقل للمعلومات تتطلب وضع إستراتيجية وهنا العقل يضع ابسط طريقة وهي أسبقية وصول الإحساس والمكان الذي أتى منه والمرسل وغيرها من الأوصاف. لذلك نرى أن كانط ينكر وجود فكرة زمن ومكان خارج العقل ، بل إنهما وسيلتين للإدراك الحسي وضعهما العقل كي يستطيع القيام بواجبه. وأصبحا أمران مسلمان بهما عن طريق الاستدلال العقلي. ولكن ذلك لا يعني عدم الاستشعار بالمستقبل وتجاوز الزمان والمكان فهناك علماء تجاوزوا حدود الزمان والمكان،فعن طريق التخطيط للمستقبل تتفتح لهم الأفق وقد تظهر لهم رؤى ومعارف جديدة تنطلق لأبعد مما هم فيه من زمان ومكان، فبعض العلماء يتجاوزون لدرجة أنهم يصلون إلى علوم لا يعترف بها ولا تطبق إلا بعد مدة غير قصيرة ، وربما يستفاد منها في مكان غير المكان الذي اكتشفت فيه. قام كانط بتفكيك معرفي لكافة الأدلة المستخدمة من أجل إثبات وجود الله، نافياً صلاحيتها وجدواها في إنتاج أي فعل معرفي حقيقي لهذا الموضوع. فهو يعتبر أن المتافيزيقا قد تكونت نتيجة للطبيعة القادرة على التركيب الموجودة في البنية الذهنية البشرية، مما يجعلها قادرة على تصور وبناء حالات ما وراء حسية (على مثال أو بالتضاد مع بُناها الحسية) بدون أن يعني هذا أنها موجودة فعلاً في الواقع: فهي يمكن أن تبني الميتافيزيقا، ولكن بدون أن تستطيع إثباتها معرفياً. والملفت للنظر، أن توحيد كانط للوجود الحسي في "وحدة وجود" شاملة لبعديه (الذات والموضوع) ضمن إطار مركب عضوي يعبر عنه فعل "الإدراك الواعي الترانسندنتالي" قد جعله يرفض نظرية ديكارت(1596-1650) في (الامتداد) التي يعبر عنها مبدأ الكوجيتو(الأنا أفكر)، وهذا شيء لا يشمل فقط امتدادات الذات المعرفية نحو الماوراء الحسي وإنما أيضاً يضع موضع الشك المعرفي استقلالية وجود الموضوع الحسي عن وجود الذات العارفة، حيث نلمس عند كانط استحالة نشوء أي خارجية للموضوع عن الذات، حيث يعتبرهما في حالة تلازم نسقي ثابت وواحد. وقد أدى رفض الوجود الموضوعي المستقل عن الذات هذا، بكانط إلى رفض كل نزعة تاريخية، وهذا أمر طبيعي، فالتاريخ هو ميدان تفاعل الذات مع الموضوع، سواء أكان طبيعياً أو ما ورائياً أو اجتماعياً، كما أنه هو الإطار الذي تتحقق وتتموضع فيه الذات العارفة، كما أدى ذلك بكانط إلى رفض إمكانية الوصول إلى أي تركيب يمكن أن يعبر عنه "المطلق" أو الله، أو أي هدفية تاريخية يكون هدفها إنشاء وحدة تتجاوز ثنائية الوجود المتمثلة في تناقض المادة والفكر. صحيح أن كانط قد أنشأ وحدة لهما، في إطار شبيه بـبيركلي (1685-1753)، إلا أنه قد حطم كل تركيبة معرفية أو هدفية، وساهم في وضع الأساس الفلسفي للنزعة الوضعية التي ترفض أي تصور تركيبي للوجود، مقتصرة على التصوير الوصفي للأجزاء، من منطلق أنها تعبير عن حالات منعزلة لا رابط بينها، وأن الوجود لا يقوم على أي رابط موحد لأجزائه،الشيء الذي دفع بالفلسفة الوضعية مع أوغست كونت (1798-1857) إلى نزعة تجزيئية لا تقتصر فقط على الوصف الظاهري للشيء ورفض أي تعمق في كنهه، وإنما إلى اعتباره شيئاً جامداً قائماً في ذاته، وبالتالي إلى نفي الحاجة لدراسة روابطه وحركيته اللتين يكون التاريخ ميدانهما. فالتناقض الذي أقامه كانط بين "الظاهرة" و"الجوهر" لم يدفعه فقط إلى رفض إمكانية كل دراسة لجوهر الشيء أو الظاهرة، وبالتالي لتأكيد الوصف المعرفي ضد التأمل الميتافيزيقي، وإنما أيضاً إلى وضع "نظرية المعرفة"، التي اعتبرها كانط كالميدان الرئيسي للبحث الفلسفي، في حالة تناقض مع البحث التاريخي. لذلك لم يكن التحطيم الكانطي للميتافيزيقا نقضاً لنزعة تركيبية ماورائية لصالح نزعة تركيبية حسية، وإنما من أجل تثبيت تصور تجزيئي نسبوي للوجود، يرفض تحديد أي غاية له، ولا يعتبر الحركة أداة للوصول إليها من خلال التاريخ، وإنما يعتبر أن الذات الفردية العارفة هي التي تعطي أثناء فعل المعرفة الذاتي الوحدة والمعنى للموضوع، وبدونها لا يكون الموضوع شيئاً. وبالتالي، فما دامت الذوات الفردية محكومة بالتنوع، ومادامت الأشياء لا تملك وحدة خارجية بمعزل عن هذه الذوات التي هي بدورها غير موحدة أيضاً، لذلك فالوجود الإنساني محكوم بالكثرة المتناقضة والمتنوعة، ولا يملك أي هدف أو وحدة مركبة لأجزائه الفردية أو الشيئية. وقدأسس كانط للنزعة اللاإدرية التي ترفض إثبات أو نفي أي شيء، نافية أي غاية أو هدف عام، ومعتبرة الوجود ليس سوى التجربة من قبل الذات، فأصبحت فلسفة الحياة: التي اعتبرت الوجود هو التجربة المعاشة نافية أي هدفية موضوعية أو جمعية أو كونية، وأرى أنه يمكن اسقاط رؤية كانط على النظرة الشخصية لكل فرد تجاه نفس الموضوع وتفسيره بما يتلائم مع ذاته وتجربته الشخصية فالمعرفة الحقيقية لديه هي التي تنطلق من الذات وهي التي تفسر الوجود وموجوداته ولذلك يمكن أن تختلف الحقيقة بإختلاف الناس وأشكال تفكيرهم وحياتهم والعمليات التي تحكمها الظاهرة الطبيعية والظاهرة الإنسانية: قبل الاتفاق أو الاختلاف مع رأي كانط يجب الاشارة إلى بعض الإشكاليات المرتبطة بالعلوم الإنسانية، وسنحاول الاهتداء بالتساؤلاتالتالية: هل الظاهرة الإنسانية قابلة للدراسة العلمية الموضوعية؟ ما هي قدرة العلومالإنسانية على فهم وتفسير الظواهر الإنسانية؟ هل يجب أن تؤسس العلوم الإنسانيةنفسها ضرورة على نموذج العلوم الطبيعية؟ أن إشكالية موضعة الظاهرة الإنسانية جد معقدة نظرا لطبيعة العلاقة التي تربط الذات بالموضوع. فالذات التي تجرب على نفسها وعلى الغير تتغير نتيجة لما لاحظته، وما قامت بتجربته، كما تعمل على التأثير فيما تدرسه وتغير من مجراه ومن طبيعته. وهذا نموذج من الإشكاليات لا تعرفه العلوم الطبيعية، ففي هذه العلوم يستطيع العالم أن يميز نفسه عن الظاهرة المدروسة. أما في العلوم الإنسانية فإن إشكالية العلمية تظل قائمة لاعتبارين هما: ·عدم الوضوح الكافي للحدود الفاصلة بين الذات والموضوع. ·اعتقاد العالم بأنه يملك قبليات معرفية تجعله قادرا على الاستغناء عن التقنيات العلمية. انطلاقا مما سبق يتبين أن إشكالية العلمية في العلوم الإنسانية تتحدد أساسا في التداخل بين الذات والموضوع الذي يشكل عائقا مركزيا يحول دون قدرة هذه العلوم على موضعة الظاهرة الإنسانية بشكل دقيق. لنتقل إلى التساؤل حول نوعية الوظائفالعلمية التي تضطلع بها هذه العلوم الإنسانية، وما هي قدرتها على فهم الظواهروتفسيرها؟ أن العلوم الطبيعية علوم تفسيرية وتنبئية على الرغم من الصعوبات التي تطرحها العلاقة الموجودة بين الوظيفتين. لكن الأمر يختلف فيما يخص العلوم الإنسانية، لأن هذه العلوم لا تقدم سوى تصورات فضفاضة. وعلى الرغم من أنها علوم مهيأة في الأصل لكي تقوم بوظائف تنبئية إلا أن تنبؤاتها غالبا ما تكون خاطئة. وهذا لا يعني أن هذه العلوم غير ذات أهمية لأنها قادرة على أن تقدم للممارسين نوعا من الحكمة التي تتأرجع بين المعرفة الخالصة والمعرفة النافعة فإذا كانت العلوم الطبيعية تنظر إلى موضوعها باعتباره ظواهر خارجية ومعزولة؛ فإن العكس هو الذي يجب أن يحدث في العلوم الإنسانية، لأنه يجب أن نتمثل الحياة النفسية كوجود أولي وأساسي موجود في كل مكان. ومن ثم، تصبح العلوم الإنسانية وسيلة لفهم الحياة باعتبارها كلا معطى في التجربة الداخلية.. لذا أصبح من الضروري أن تختلف المناهج التي تعتمدها العلوم الإنسانية عن تلك المعتمدة في العلوم الطبيعية. إن ما أكده دلتاييدفع إلى طرح التساؤل التالي: هل يمكن للعلوم الإنسانية الاستغناء عن نموذجيةالعلوم التجريبية؟ تتوقف علمية العلومالإنسانية في نظر الباحثين لابورت-تولرا ووارنيي ( Laburthe-Tolra et Warnier ) على إدراك أن هذه العلوم تفترض أنتكون الذات هي نفسها الموضوع المدروس علاوة على أن العالم يعتبر طرفا وحكما في نفس الوقت، إلا أن ذلك لا يجب أن يؤثر في النظرة إلى القيمة العلمية لهذه العلوم، بإبراز التداخل الموجود بين الذات والموضوع ففي رأيي أن إشكالية النموذجية التي يطرحها وجود العلوم الطبيعية، إشكالية ساعدت العلومالإنسانية في البحث على تطوير نفسها وبالتالي البحث عن مناهج تتميز عن المنهاجالتجريبي. وهكذا تظل الإشكاليات المطروحة ليس بالضرورة تشكيكا في القيمة العلميةلهذه العلوم، وإنما يتعلق الأمر بنقاش إبيستيمولوجي من شأنه أن يغني العلومالإنسانية، ويدفع بها إلى تتوخى الدقة من خلال إدراك خصوصيات الموضوع المدروس. لأنجميع الصعوبات تتمثل في طبيعة الظاهرة الإنسانية باعتبارها ظاهرة معقدة، متغيرة،وواعية علما بأن الدارس هو من نفس طينة الموضوع المدروس ما يخالف تأكيد كانط على إن أسلوب السببية الموجود في تفسير قوانين الطبيعة هو نفسه موجود وبدقته في الظاهرة الإنسانية. فلا يمكن اعتبار أفكار ومقولات العقل مسلمات وحقائق ثابتة لأن العقل لا تؤثر عليه قوانين الطبيعة فحسب ولكن يخضع لمؤثرات شخصية ذاتية تؤثر على الحكم والنظر للظاهرة وبالتالي على تلك المقولات والأفكار. مع التأكيد على أن في داخل كل إنسان فيلسوف ولكن تحد فلسفته الحدود الفكرية والمعرفية، فكل يتفلسف في إطاره الخاصة وله رؤية وحكمة خاصة لكل أمر وشأن من شؤونه ويمكن أن يعرض وجهة نظره ويدافع عنها بحجج خاصة وربما تكون مقنعة ، وربما تكون درجة القناعة لا تتجاوز محيطه وأفقه الخاص وختاماً: نسعى لإجابة إشكالية علمية العلوم الإنسانية وما يطرحه هذا الإشكال من أسئلة تهم الظاهرة الإنسانية بمعنى هل الموضوعية ممكنة في العلوم الإنسانية ؟ هذا يؤدي إلى التساؤل هل العلوم الإنسانية مطالبة بمحاكاة العلوم التجريبية أم خصوصيتها تقتضي البحث عن منهج يلائم الظاهرة المدروسة ؟ إن مسألة العلمية في العلوم الإنسانية واجهتها مند البداية عوائق ابستيمولوجية تتعلق ب : المنهج ، والموضوع ، والمفاهيم لهذا إمكانية اتخاذ العلوم التطبقية كنموذج يحتذى غير ممكن للأسباب التالية : خصوصية الظاهرة الإنسانية غير قابلية الظاهرة للعزل والتحديد لأن من شأن ذلك أن يفقدها خصوصيتها فمعرفة الإنسان صعبة ومعقدة ،والصعوبة تكمن في كون هذا الأخير ذاتا وموضوعا في آن واحد " إن الإشكالية تتعلق بالدرجة الأولى بإمكانية تحقيق الموضوعية مشكلة الموضوعية في العلوم الطبيعية هناك اتفاق ضمني حول قيمة وغاية البحث أي أن العلوم الطبيعية استطاعت تجاوز مشكلة الموضوعية في حين العلوم الإنسانية المشكلة قائمة وستظل قائمة : لعدم قدرة العالم على التجرد من كل المسبقات ومن إملاءات اللاوعي إذن شروط عمل العالم في العلوم الإنسانية مختلفة تماما عنها في العلوم الطبيعية حيث تعترض الموضوعية في العلوم الإنسانية طبيعة الظاهرة فموضعة الظاهرة الطبيعية ممكن بينما هناك صعوبة لموضعة الظاهرة الإنسانية فالمعرفة التي يكونها الإنسان مشبعة بالذاتية ما يؤدي إلى صعوبة تحقيق الموضوعية وعليه فإن محاولة جعل العلوم التجريبية نموذج غير مقبولة ما يتطلب من العلوم الإنسانية أن تبني مناهج خاصة بها تنسجم وطبيعة الموضوع المدروس ما نستنتجه هو أن العلوم الإنسانية لا يمكنها بأي شكل أن تأخذ النموذج التجريبي كأداة للمعرفة ، وأن حل إشكالية الموضوعية يتعلق بمدى استعداد العالم على إتباع طرق أكثر ملائمة مع الظاهرة الإنسان | |
|
الزعيم التطوير المدير العام
عدد المشاركات : 1852 تاريخ التسجيل : 16/12/2010 العمر : 34 الموقع : www.pubtatwir.forummaroc.net
| موضوع: رد: مفهوم الموضوعية في العلوم الإنسانية؟ الخميس يناير 27, 2011 7:00 am | |
| بارك الله فيك اخي الغالي و الحبيب | |
|
جواد عضو نشيط
عدد المشاركات : 27 تاريخ التسجيل : 18/12/2010
| موضوع: رد: مفهوم الموضوعية في العلوم الإنسانية؟ الخميس يناير 27, 2011 7:55 am | |
| جزاك الله خيرا اخي الغالي | |
|